في ذكرى رحيل الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، الخزانة الخطابية تتعزز بمولود جديد لصاحبه
Mohamed Amezian
محمد أمزيان الباحث المُجد في تاريخ الريف وتحديدا تجربة الأمير .... يحمل عنوان " عبد الكريم الخطابي .. التاريخ الآخر" ويوجد حاليا في المكتبات (الحسيمة/مكتبة الجرمونيِ...، تطوان/مكتبة بيت الحكمة...، الرباط / كشك الروبيو ـــ مكتبة عالم الفكر ـــ مكتبة الألفية الثالثة...) من منشورات "تيفراز ن اريف" .
تجدون أسفله إطلالة في الكتاب للأستاذ رشيد المساوي وهي عبارة عن تدوينة فايسبوكية:
** إطلالة في كتاب "عبد الكريم الخطابي: التاريخ الآخر" **
اختار محمد أمزيان -الباحث المتخصص في تاريخ الريف المعاصر- العنوان أعلاه لإصداره الأخير. لذلك فإن أول سؤال ينتصب أمام القارئ و هو يغوص في ثنايا الكتاب هو : ما هو هذا التاريخ الآخر الذي يريد أن يتحدث عنه المؤلف؟ ثم ما الذي يجعله كذلك مغايراً لما كُتِب عن هذه الشخصية التاريخية التي ما فتئت تتناسل الدراسات -و خاصة الأجنبية- بصددها؟
أولى إرهاصات الجواب -ربما- سنعثر عليها في الصيغة الذي اختارها لتقديم هذا التاريخ، حيث يتوسل الكاتب بأسلوب الحكي الروائي ليطلع القارئ عن الزمن الأول لإلتقائه بهذا "التاريخ الآخر" ذات طفولة في أحاديث خافتة لشيوخ مدشره و هي ترسم لوحة شبه أسطورية عن شخصية حقيقية تحمل إسم "عبد الكريم"، ثم ما لبث أن شغلت هذه الشخصية الإستثنائية عقله و ملأت عليه حياته، فراح يقتفي آثارها في كتب التاريخ. لذلك فما يعرضه في الكتاب هو عصارة ما انتهى إليه في بحثه حول هذا الموضوع لعقود من الزمن، يريد من خلال نشرها إعادة الإعتبار لهذا التاريخ الآخر المُصادَر و المُحاصَر، بعد أن قام بتنقيته مما يعتبره شوائب حاولت تشويهه، و بعد أن أضاف إليه صفحات مهمة ظلت مبتورة منه. و هو يقوم بهذا المجهود، نحس كما لو أن محمد أمزيان يوفي بدين شخصي تجاه هذه الشخصية التاريخية بكل ما ترمز إليه من جهة، و من جهة أخرى فهو ينفذ ما يشبه "وصية واجبة" لنقل هذا الإرث إلى الجيل القادم الذي يخاطبه في الكتاب بأسلوب لا يخلو من حميمية و هو يستعمل صيغة "بُني"، لا لإثقاله بهذا الماضي و إنما لتحريره منه عبر جعله يعرف حقيقته بما يُمَكّنه من رسم غَدِهِ بٍيدِهِ.
و لتحقيق الغاية المذكورة أعلاه فقد بدأ محمد أمزيان باستعراض ينابيع التجربة التاريخية التي كان عبد الكريم عنوانها البارز، متوقفا عند بعض أهم المحطات التاريخية السابقة -سواء القريبة أو البعيدة- التي صنعت تميز منطقة الريف التي تشكل حاضنة هذه التجربة. ثم غاص بعد ذلك في مسار الشخصية الأساسية مستعرضا مختلف المراحل التي مرت منها، و مُبيّناً الأسباب الذاتية و الموضوعية التي تفسر مواقف الرجل و قراراته. و هاهنا -و على خلاف أغلب الدراسات- يعمد الكاتب إلى فك الحصار عن صوت عبد الكريم و يوصله إلى القارئ كلما كان ذلك ممكنا، زاده في ذلك أساسا مذكرات الرجل سواء المنشورة (تقرير لاريونيون) أو غير المنشورة (مذكرات القاهرة).
و لأن المجال لا يسعف للتوقف عند كل ما يشكل قيمة مضافة في هذا العمل الذي حاول صاحبه ما أمكنه ذلك المصالحة بين الذاكرة و التاريخ، فإنني سأكتفي فقط بقضيتين تبدوان لي في غاية الأهمية: أولاهما تتعلق بمسألة النظام السياسي الذي دشنه عبد الكريم في عشرينيات القرن الماضي. و هاهنا يؤكد أمزيان في ما يشبه الحسم، أنه نظام سياسي جديد يقطع تماما مع النظام المخزني و يؤسس لبناء نواة دولة حديثة؛ بل يعتبر أن محاصرة و محاربة عبد الكريم حيّاً و ميّتاً ماضياً و حاضراً يرجع بالضبط إلى كون مشروعه السياسي يقوض شرعية و مشروعية النظام المخزني. و ثانيهما تتعلق بإنكسار هذه التجربة التحررية سنة 1926، حيث يقدم تفسير عبد الكريم للهزيمة بتحديد أسبابها الذاتية و الموضوعية، معترفاً -في نقد ذاتي- بما يعتبره أخطاء تم الوقوع فيها و هو يكرر لازمته: "و من مِنّا لا يندم على أغلاطه".
خلاصة القول؛ و أنا أتأمل من خلال هذا الكتاب مسار هذه التجربة التاريخية الفريدة و ما تعرضت له من إجحاف من جهة، ثم حجم التضحيات التي كلفتها من جهة أخرى و ما تلاها من خيبات؛ أدرك أكثر مسعى محمد أمزيان لإنهاء اغتراب عبد الكريم عن وطنه و أرضه، في ما يشبه دعوة ضمنية لإنهاء قرار النفي الذي صدر في حقه منذ ما يناهز قرنا من الزمن، و ذلك باحتضان ذاكرته و المصالحة مع تجربته التحريرية و التحررية بانتصاراتها و انكساراتها بروح تتجاوز ضغائن الماضي و تنتصر للمستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق